جميع الحقوق محفوظة لصاحبة المدونة ، ويمنع النقل أو الاقتباس بأي شكل من الأشكال إلا بالإشارة للمصدر. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أحدث التعليقات

ThemeLib

احصائيات المدونة

طرق إثبات المقاصد عند الإمام الشاطبي

نص البحث :

إن الحمد لله ،نحمده و نستعينه و نستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .
أما بعد :
إن الله شرع لعباده دين الإسلام،فكلفهم بما لهم به مقدور،و أسقط عنهم كل معسور،فجاءت الشريعة متسمة بالسماحة مبنية على جلب ما كان للعباد من مصالح ، و درء المفاسد عنهم و القبائح ، سواء كان ذاك في دنياهم أو أخراهم .

و تحقيق هذه المقاصد لا يتأتى إلا بالوقوف على أسرار التشريع و حكمه ، إذ نصوصه معللة بالحكمة و صلاح المكلفين ، فكان لزاما على العلماء : وضع منهج يُقتفى ، و مسلك يُحتذى لمعرفة مقاصد الشارع ، و هو ما ختم به الإمام الشاطبي كتاب المقاصد ، و ذكر له أربع جهات ، و لم يكن ذاك حصرا منه في عدد معين ، بل هناك طرق أخرى تفهم تلويحا ، و إن لم ينص علها تصريحا .
فكان موضوع هذا البحث ، طرقَ إثبات المقاصد عند الإمام الشاطبي ، إلا أني لم أتقيد بما ذكره الإمام في كتابه ، و هذا لا يعني أني أضفت شيئا زائدا على ما قال، و لكن كان منهجي أن لا أبين المسلك حتى أعرف مصطلحاته و أبيِّن أمثلته ، لتتضح ماهيته أولا ، ثم بيانه كطريق ثانيا ، فقلما تجد للإمام في كتابه تعريفا ، و لا عجب في هذا ، فهو لم يضع كتابه لطلبة العلم و إنما للعلماء الراسخين الذين لهم علم مسبق بشتى علوم الشريعة ، قال في بداية كتابه الموافقات : " و لا يسمح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد ، حتى يكون ريان من علم الشريعة ، أصولها و فروعها ، منقولها و معقولها ، غير مخلد إلى التقليد و التعصيب للمذهب " .





المطلب الأول : مجرد الأمر و النهي الابتدائي التصريحي



الفرع الأول : تعريف مصطلحات هذا المسلك



الأمر لغة : معروف،نقيض النهي .. و هو كذاك : واحد الأمور يقال: أمر فلان مستقيم و أموره مستقيمة و الأمر الحادثة (1).



النهي لغة : خلاف الأمر ، نهاة ينهاه نهيا فانتهى و تناهى : كف (2) .



الابتدائي لغة : من بدأ بديت بالشيء : قدمته .... و بدأت الشيء : فعلته ابتداء ، و البدء و البديء : الأول .... و بادىء الرأي أوله و ابتداؤه (3).



التصريحي لغة :الصريح و الصَّراح و الصِّراح و الصُّراح و الكسر أفصح : الخالص من كل شيء ، ...و هو ضد الكناية ، و انصرح الحق : أي بان (4).



اصطلاحا :



معنى الأمر : هو اللفظ الدال على طلب الفعل على جهة الاستعلاء (5).



معنى النهي : هو القول الانشائي الدال على طلب كف عن فعل على جهة الاستعلاء (6) .



تعريف الأوامر و النواهي الصريحة :



الأمر الصريح : هو ما كان بصيغة " افعل " ، مثل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] .



النهي الصريح :هو ما كان بصيغة " لا تفعل " ، مثل قوله تعالى : { و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } [ الأنعام : 151] . و قوله تعالى { و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده } [ الأنعام : 152 ] .



و الأمر الصريح و النهي الصريح كلاهما يفيد بظاهره قصد الشارع إلى امتثال ما ورد فيهما من أوامر و نواهي .



تعريف الأوامر و النواهي الضمنية :



أ- ما كانت له صيغة :



فالأوامر الضمنية هي ما كانت بصيغة تتضمن أمرا ، و لم تكن بصيغة فعل الأمر ، و من ذلك :



- ما ورد بصيغة المضارع المقترن بلام الأمر ، مثل قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } [ البقرة : 178 ]



- ما ورد منها مورد الإخبار عن تقرير الحكم ، مثل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [ البقرة :183 ] ، و قوله : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة } [ المائدة : 89 ].



- ما جاء مجيء المدح : مثل قوله تعالى : { و الذين آمنوا بالله و رسله أولئك هم الصديقون } [ الحديد : 19 ] .



- ما جاء مجيء الذم له أو لفاعله : مثل قوله تعالى : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [ الأعراف :31]



- ترتيب الثواب و العقاب : مثل قوله تعالى { تلك حدود الله و من يطع الله و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك الفوز العظيم } [ النساء : 13 ] و قوله : { و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين } [ النساء :14 ]



- الإخبار بمحبة الله تعالى في الأوامر : مثل قوله تعالى : { الذين ينقفون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين } [ آل عمران :134 ] و قوله { و إن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر : 7 ]



- الكراهية و عدم الحب في النواهي : مثل قوله تعالى : { إن الله لا يحب المفسدين } [ القصص : 77} ، و قوله : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم و لا يرضى لعباده الكفر } [ الزمر :7]



و النواهي الضمنية : هي كل ما يجري مجرى النهي و لم يكن بصيغة " لا تفعل " ، مثل :



- الأمر الدال على الكف : كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } [ الجمعة 9 ]



- مادة النهي : كقوله تعالى : {و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون } [ النحل :90]



- و كما في الجمل الخبرية المستعملة في النهي : كقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به ..} [ المائدة :3] و قوله : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان و لا يحل لكم أن تاخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } [ البقرة : 229] .



ب- لازم الأمر و النهي :



و هو ما يتوقف عليه كل منهما أي : هل الأمر بالشيء نهي عن ضده ، و وجوب ما لا يتم الواجب المأمور به بتحصيله مع كونه في قدرة المكلف ؟ و النهي عن الشيء هل يلزم منه الأمر بضده و النهي عن الذرائع الموصلة إلى ذلك المنهي عنه ؟ و هذا النوع فيه خلاف مشهور بين الأصوليين ليس هذا موضع تفصيله (8) .





الفرع الثاني : بيانه كطريق من طرق الكشف عن المقاصد



يدل الأمر على القصد إلى حصول المأمور به ، و يدل النهي على القصد إلى عدم حصول المنهي عنه . و قد قيد الإمام الشاطبي الأمر و النهي بالابتدائي و التصريحي :



القيد الأول : الابتدائي : قيد خرج به الأمر او النهي الي يستفاد منه قصد الشارع تبعا لا أصالة فيكون قد أتى تعضيدا و تأكيدا للأمر الأول . قال الإمام الشاطبي :" و إنما قيّد بالإبتداء تحرزا من الأمر أو النهي الذي قصد به غيره" (9) .



و ساق مثالا في قوله تعالى :" فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع " الجمعة 09



الأمر الأول :" فاسعوا إلى ذكر الله " أمر ابتدائي مقصود بالقصد الأول ، فهو دال على قصد الشارع إلى حمل الناس على تحقيق السعي ( المأمور به ) .



الأمر الثاني: "و ذروا البيع " ليس أمرا إبتدائيا و إنما هو تبعي جاء ليعضد القصد الأول وهو السعي ،و بما أنه ليس ابتدائيا فلا يصح الاستدلال به على قصد منع البيع .



قال الشاطبي بعد ذكر الآية : " فإن النهي عن البيع ليس نهيا مبتدأ ، بل هو تأكيد للأمر بالسعي ، فهو من النهي المقصود بالقصد الثاني ، فالبيع ليس منهيا عنه بالقصد الأول كما نهي عن الربا و الزنى مثلا ، بل لأجل تعطيل السعي عند الاشتغال به " (10) .



و قال في موضع آخر:" و كذلك قوله تعالى :{ فاسعوا إلى ذكر الله } مقصودة الحفظ على إقامة الجمعة و عدم التفريط فيها ، لا الأمر بالسعي إليها فقط ، و قوله { و ذروا البيع} جار مجرى التوكيد لذلك بالنهي عن ملابسة الشاغل عن السعي لا أن المقصود النهي عن البيع مطلقا في ذلك الوقت " (11) .



القيد الثاني : التصريحي : قيد خرج به الأمر و النهي الضمني الذي يكون مقصودا بالقصد الثاني على سبيل تأكيد و تعضيد القصد الأول .



"والأوامر و النواهي الضمنية خفية في الدلالة على قصد الشارع ،إذ تفيده مجودة و إنما بما يحف بها من قرائن " (12) .



و لم يذكر فيه مثالا سوى ما نهي عن ضد المأمور به مثل قوله تعالى : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} [البقرة 28 ]هو في معنى النهي يقتضي وجوب الإظهار.و الأمر بالتربص في العدة يقتضي حرمة التزوج (13)



و أيضا : الأمر بالحج مع ما يستلزمه ؛ فالأمر بالحج صريح و أخذ مستلزماته و القيام بها أمر ضمني (14) .



قال الإمام الشاطبي : " و إنما قُيّد بالتصريحي تحرزا من الأمر أو النهي الضمني الذي ليس بمصرح به ، الكنهي عن أضداد المأمور به الذي تضمنه النهي عن الشيء ، فإن النهي و الأمر هاهنا إن قيل بهما فهما بالقصد الثاني ، لا بالقصد الأول ، إذ مجراهما عند القائل بهما مجرى التأكيد للمر أو النهي المصرح به " (15) .



و ذكر بعض الأمثلة لمقاصد الشارع المعتبرة من مجرد الأمر و النهي الابتدائي التصريحي في باب الأوامر و النواهي منها :



" المفهوم من قوله : { أقيموا الصلاة } [ البقرة : 43] المحافظة عليها و الإدامة لها ، و من قوله : " أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة " الرفق بالمكلف خوف العنت أو الانقطاع ، لا أن المقصود نفس التقليل من العبادة ، أو ترك الدوام على التوجه إلى الله ...



و كذلك إذا قال : " لا تصوموا يوم النحر " المفهوم منه مثلا قصد الشارع إلى ترك إيقاع الصوم فيه خصوصا .



و من قوله : " لا تواصلوا " أو قوله " لا تصوموا الدهر " الرفق بالمكلف أن لا يدخل فيما لا يحصيه و لا يدوم عليه ، و لذلك كان عليه الصلاة و السلام يواصل و يسرد الصوم ؛ كان يصوم حتى يقال لا يفطر ، و يفطر حتى يقال : لا يصوم و واصل عليه الصلاة و السلام وواصل السلف الصالح مع علمهم بالنهي ، تحققا بأن مغزى النهي الرفق و الرحمة ، لأن مقصود النهي عدم إيقاعه و لا تقليله .... " (16) .





المطلب الثاني : اعتبار علل الأمر و النهي :



تعريف العلة لغة : المرض ، من علّ يَعِل و اعتل أي مرض فهو عليل .. و اعتل عليه بعلة و اعتله إذا أعاقه عن أمره ... و العلة الحدث يشغل صاحبه عن حاجته كأن تلك العلة صارت شغلا ثانيا منعه عن شغله الأول (17) .



تعريف العلة اصطلاحا :



" هي ما شرع الحكم عنده تحقيقا للمصلحة " أو هي " الوصف المعرف للحكم " ... و العلة تطلق على معنيين :



الأول ، الحكمة الباعثة على تشريع الحكم : من تحصيل مصلحة يراد تحقيقها أو دفع مفسدة ينبغي تجنبها ، مثل : حصول المنفعة للمتعاقدين المترتب على إباحة البيع ، و حفظ الأنساب المترتب على تحريم الزنا و وجوب الحد على فاعله، و حفظ العقول المترتب على تحريم الخمر ، و حفظ المال المترتب على وجوب القطع ، و حفظ الأرواح المترتب على تحريم القتل العمد العدوان و وجوب القصاص على مرتكبه و نحوها .



الثاني ، الوصف الظاهر المنضبط : الذي يناسب الحكم بتحقيق مصلحة الناس إما بجلب النفع لهم أو دفع الشر عنهم..



- و معنى المنضبط أي الذي ينطبق على كل الأفراد على حد سواء ، أو مع اختلاف بسيط لا يؤبه به .



- و معنى ناسبته للحكم : أي الذي يكون ارتباط الحكم به محققا لمصلحة العباد غالبا .



أمثلته : الإيجاب و القبول هي علة لعقد البيع ، فهما أمر ظاهر منضبط يترتب على تشريع الحكم عند وجوده ( و هو نقل الملك في البدلين ) مصلحة للمتعاقدين و سد لحاجتهما بدفع الحرج عنهما . و السرقة و الزنا و القتل العدوان كل منها وصف ظاهر منضبط يترتب على تشريع الحكم عنده ( و هو التحريم ، و وجوب الحد ، و القصاص ) مصلحة المحافظة على الأموال و الأنساب و الأرواح (18).



مسالك العلة :



المراد بمسالك العلة الطرق التي يتعرف المجتهد من خلالها على علل الأحكام الشريعية ، و هذه العلل إما أن يكون الشارع قد نص عليها صراحة في نصوصه و أحكامه ، و إما أن يكون قد ترك استنباطها للمجتهد من خلال القرائن اللفظية و المعنوية و العقلية و المناسبة (19) .



و مسالك العلة تسعة :النص ، الإجماع ، الإيماء ، السبر و التقسيم ، المناسبة ، الشبه ، الطرد ، الدوران ، تنقيح المناط.



أولا : النص على العلة في الكتاب و السنة + ثانيا : الإيماء :



المراد بالنص : ما كانت دلالته على العلة ظاهرة ، سواء أ كانت الدلالة قاطعة أم ظاهرة محتملة .



أ- النص القاطع : و هو أن يرد النص دالا على التعليل صراحة دون احتمال لغيره ، و له ألفاظ كثيرة منها : كي - لأجل – إذن – لعلة كذا – لسبب كذا – لمؤثر كذا – لموجب كذا ، و نحوها.مثل قوله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبي كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } [ الحشر:06].



فإن كي موضوعة للتعليل ، و لم تستعمل في غيره ؛ فلم تحتمل غير التعليل ، فهذه علة صريحة قطعية لتخصيص الفيء بهؤلاء الأصناف دون غيرهم في رأي جمهور العلماء و هي ألا يكون متداولا بين الأغنياء فقط ، يحرم منه الفقراء ...



ب- النص الظاهر : فهو ما دل على العلية مع احتمال غيرها احتمالا مرجوحا ، و له نوعان :



الأول ، ألفاظ معينة و هي حروف التعليل : كاللام ، و الباء و أنْ المفتوحة المخففة و إن المكسورة الساكنة أو المكسورة المشددة . مثال اللام قوله تعالى : { و أقم الصلاة لذكري } فاللام موضوعة للتعليل و لكنها غير قطعية فيه ، إذ قد تستعمل في معان أخرى كالملك ، مثل : " أنت و مالك لأبيك " أو الاختصاص مثل : اللجام للفرس أو العاقبة مثل : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا و حزنا } أي ليصير .. و نظرا لأنها تحتمل هذه المعاني احتمالا لايمنع ظهورها للتعليل ، فهو احتمال مرجوح ، فإنها اعتبرت دلالتها على التعليل من قبيل الظاهر المحتمل ...



الثاني ، النص الذي يدل على العلية بطريق الإيماء : أي الإشارة و التنبيه بواسطة قرينة تدل على ذلك .



كأن يقع الحكم موقع الجواب: كقوله عليه الصلاة و السلام : أعتق رقبة للأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و قال له هلكت و أهلكت ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ما أهلكك ؟ قال : واقعت امرأتي في رمضان عامدا ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أعتق رقبة . فإنه يدل على كون الوقاع علة للعتق .



أو يقترن الحكم بالوصف : إما بذكر وصف مناسب للحكم كقوله عليه الصلاة و السلام : " لا يقضي القاضي و هو غضبان " فهذا الاقتران بين الوصف و الحكم يشعر بعلية الوصف للحكم و هو النهي عن القضاء...لما فيه من تشويش الفكر... فيقاس عليه كل ما يشوش الفكر من غلبة النعاس أو المرض أو الجوع و العطش المفرطين ..



و إما بترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب ...مثل قوله تعالى : { و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما } ...و ترتيب الحكم في كل هذه الآيات على الوصف يومئ بعلية الوصف ، فالحكم ..و هو قطع اليد ، و العلة هي السرقة ...



و الثالث ؛ أن يفرق الشارع بين أمرين في الحكم بذكر الصفة فإنه يشعر بأن تلك الصفة هي على للتفرقة في الحكم ..كما في قوله صلى الله عليه و سلم : " القاتل لا يرث " فالوصف هو القتل قد ذكر معه أحد الحكمين و هو عدم الإرث ، و لم يذكر الحكم الآخر و هو ميراث من لم يقتل ، و ذِكر الوصف مشعر بأن القتل علة لعدم الإرث .



ثالثا : الإجماع



يقصد به هنا : الإجماع على أن وصفا معينا في حكم شرعي هو علة لذلك الحكم ، مثل إجماع العلماء على أن الصغر علة في الولاية المالية على الصغير ، فيقاس عليها الولاية في التزويج .



رابعا : السبر و التقسيم



و معناه: جمع الأوصاف التي يظن كونها علة في الأصل ؛ ثم اختبارها بإبطال ما لا يصلح منها للعلية فيتعين الباقي للتعليل.



خامسا : المناسبة ( تخريج المناط )



و هي أن يكون بين الوصف و الحكم ملاءمة بحيث يترتب على تشريع الحكم عنده تحقيق مصلحة مقصودة للشارع من جلب منفعة للناس أو دفع مفسدة عنهم ، مثل : الاسكار فإنه ملائم لتحريم الخمر ، و لا يلائمه كون الخمر سائل أو بلون كذا ، أو بطعم كذا ، و إنما الإسكار هو الوصف الناسب للتحريم دون غيره .



سادسا : تنقيح المناط



هو بذل الجهد في تعيين العلة من بين الأوصاف التي أناط الشارع الحكم لها إذا ثبت ذلك بنص أو إجماع ، عن طريق حذف ما لا دخل له في التأثير و الاعتبار مما اقترن به من الأوصاف. مثاله : تعليل كفارة الفطر في رمضان بالوقاع ... فالمجتهد نظر في هذه الحادثة فوجد بعض الأوصاف لا تأثير لها في الحكم ، مثل : كون الذي واقع أعرابيا ، لأن تشريع الأحكام عام لا يختص بها فرد دون فرد ، ما دام لم يقم دليل على الخصوصية ، و مثل كون الموطوءة أهلا و زوجة للواطئ ، لأن غير الزوجة أولى بالكفارة من الزوجة ... فيكون كل من وصف الأعرابية و الأهل ملغيا لا تأثير له في إيجاب الكفارة ، و إنما يكون المؤثر في إيجابه هو الجماع عمدا في نهار رمضان .



سابعا : الشبه



هو الوصف الذي لا تظهر فيه المناسبة بعد البحث التام ، و لكن أُلف من الشارع الالتفات إليه في بعض الأحكام ... مثل تعليل وجوب النية بكونه طهرة ليقاس عليه الوضوء ، فإن الطهارة لا تناسب اشتراط النية ، و إلا اشترطت في الطهارة من النجس ، لكنها تناسبه من حيث إنه عبادة ، و العبادة مناسبة لاشتراط النية .



ثامنا : الطرد



هو أن يثبت الحكم مع الوصف الذي لم تعلم كونه مناسبا، و لا مستلزما للمناسبة في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع ، أي أن وجوده في جميع الحالات ما عدا الصورة المتنازع فيها ، يغلب على الظن أنع علة ، فيلحق المتنازع فيه بالأعم الأغلب ، مثل : الرائحة ( الفائحة ) الملازمة للشدة الطربة ( الاسكار) في الخمر .



تاسعا : الدوران



أو الطرد و العكس : فهو عبارة عن حدوث الحكم بحدوث الوصف و انعدامه بعدمه ، كالسكر مع عصير العنب (20).







الفرع الثاني : بيان اعتبار علل الأمر و النهي طريقا من طرق إثبات المقاصد



جعل الإمام الشاطبي الجهة الثانية من الجهات التي تعرف بها مقاصد الشارع : اعتبار علل الأحكام ، حيث إنه إذا ثبت لأن الشارع إذا شرع حكما لعلة من العلل،و ربطه بها وجودا و عدما،فإنه يفهم من ذلك أنه قاصد إلى اعتبار ذلك الحكم في كل واقعة توفرت فيها تلك العلة (21) .



و الإمام الشاطبي لم يجعل العلل مقاصدا في ذاتها ، بل جعلها علامات على المقاصد و جعل مقتضى العلل من إيقاع الفعل و عدمه هي المقاصد في ذاتها (22).قال الإمام:" فإذا تعينت؛عُلم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه و من التسبب أو عدمه " (23).



و العلة عنده قسمان :



1- معلومة : و هي التي تعرف بواسطة المسالك المذكورة ، قال الإمام الشاطبي : " فإن كانت معلومة اتبعت ؛ فحيث وجدت وجد مقتضى الأمر و النهي من القصد أو عدمه، كالنكاح لمصلحة التناسل ، و البيع لمصلحة الانتفاع بالمعقود عليه ، و الحدود لمصلحة الازدجار ، و تعرف العلة هنا بمسالكها المعلومة في أصول الفقه (23) .



2- غير معلومة : إذا كانت العلة غير معلومة ، فإن الإمام يرى التوقف، قال : " و إن كانت غير معلومة فلا بد من التوقف عن القطع على الشارع أنه قصد كذا و كذا، ... إلا التوقف هنا وجهان من النظر ." (24) . و جعل التوقف قسمين :



أ- توقف لعدم الدليل على تعدي العلة المحلَّ المنصوص عليه في ذلك الحكم المعين إلى غيره .



و التعدي مع الجهل يراه الشاطبي تحكما من غير دليل...إلا أنه أكد بعد ذلك أن هذا التوقف لا يعني أن التعدي غير مراد... و في هذا الحال على المجتهد أن لا يكلّ عن البحث و التنقيب عسى أن يظفر بدليل يمكنه من مخرج لذلك ، كما أنه قد لا يظفر بمخرج لذلك . و يرى الشاطبي أن هذا المسلك متمكن في العادات لأن مجال إمكانية التعدي للعلل فيها كثير .



قال في هذا النوع من التوقف : " إحداها ؛ أن لا نتعدى المنصوص عليه في ذلك الحكم المعين أو السبب المعين لأن التعدي مع الجهل بالعلة تحكم من غير دليل و ضلال على غير سبيل ، ... فالتوقف هنا لعدم الدليل " (25) .



ب- توقف لأجل أن تعدي العلى لغير المنصوص عليه غير مقصود للشارع لأن الشاطبي يرى : " أن الأصل في الأحكام الموضوعة شرعا أن لا يتعدى بها محالها حتى يعرف قصد الشارع لذلك التعدي ، لأن عدم نصبه دليلا على التعدي ؛ دليل على عدم التعدي إذ لو كان عند الشارع متعديا لنصب عليه دليلا " (26) .



و يؤكد الشاطبي هذا الكلام بأن مسالك العلة معروفة لدى كل المجتهدين و قد خير بها محل الحكم فلم يعثر به على علة يشهد لها مسلك من تلك المسالك ، فصح ما سبق تقريره ، و يمضي الشاطبي قائلا : " إن هذا الموقف يقتضي منا الجزم بأنه غير مراد ، فينبني عليه نفي التعدي من غير توقف ، و يحكم به علما أو ظنا أنه غير مقصود" .



لكن التساؤل المطروح لو أن أحد مسالك الكشف عن العلة أثمر و شهد بوجود تلك العلة في محل الحكم فما العمل بعد هذا الجزم و النفي للتعدي ، و يجيب الشاطبي عن هذا بأن على المجتهد حينئذ الرجوع إلى هذا المسلك بقوله :" رجع إليه كالمجتهد يجزم بالحكم في القضية ثم يطلع بعد ذلك على دليل ينسخ جزمه إلى خلافه" (27) .





المطلب الثالث : المقاصد الأصلية و التبعية



الفرع الأول : تعريفها



لغة :



المقاصد لغة : جمع مقصد ، و القصد و المقصد من قصد ، و القَصْد : استقامة الطريق و الاعتماد ، و الأَم و العدل و التوسط و إيتان الشيء ، يقال : قصده ، و له ، و إليه يقصده (28).



الأصل لغة : أسفل كل شيء (29).



التّبع : من تبع الشيء تَبَعا و تباعا في الأفعال ، و تبعت الشيء تبوعا : سرت في إثره ..و أتبعه الشيء : جعل له تابعا، و التابع التالي ... و تَبَع كل شيء ما كان على آخره (30) .



اصطلاحا :



المقاصد : " هي المعاني و الحكم و نحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموما و خصوصا من أجل تحقيق مصالح العباد " (31).



المقاصد الأصلية : " هي المقاصد التي قصدها الشارع أصلا و ابتداءا و أساسا ، أي قصدها بالقصد الأول الابتدائي ، و هي المقاصد الأولى و الغايات العليا للأحكام " (32) .



قال الإمام : " فأما المقاصد الأصلية فهي التي لا حظّ فيها للمكلف و هي الضروريات المعتبرة في كل ملة " (33) .



إذن : فهي الضروريات أو الكليات الخمس ، يلتزم المكلف بفعلها و حفظها اختيارا أم اضطرارا .



" فالمقاصد الأصلية هي التي وضعت ابتداء لتحقيق أعظم المصالح سواء كانت هذه المصالح ضرورية أو من المصالح العامة التي تعود على المصالح الضرورية بالحفظ و التثبت و درء الفساد عنها و تحفظ كيان المجتمع " (34) .



المقاصد التبعية : " هي المقاصد و الحكم التي قصدها الشارع تبعا و تكملة و تتميما للمقاصد الأصلية ، فهي مشروعة بالقصد التابع للقصد الأصلي ، و بقصد التكميل و التتميم (35) .



قال الإمام الشاطبي : " و أما المقاصد التابعة فهي التي روعي فيها حفظ المكلف فمن جهتها يحصل له مقتضى ما جبل عليه من نيل الشهوات و الاستمتاع بالمباحات " (36). فيفهم من كلامه أنها تشمل المصالح الحاجية و التحسينية التي تكمل المصالح الضرورية .





الفرع الثاني : كونها طريقا لإثبات المقاصد :



قسم الشاطبي المقاصد إلى أصلية و تبعية ، و جعلها جهة ثالثة لمعرفة قصد الشارع ، فالمقاصد الأصلية هي الغايات العليا للأحكام و المقاصد التبعية تكملها ، أما كونها مقصودة للشارع أيضا ؛ فشريطة أن تكون مؤكدة و مقوية للمقاصد الأصلية لا مضادة أو معارضة لها .



هذا و قد اُعْتُرِض على الإمام اعتبارها طريقا للكشف عن المقاصد ، أما من جاء بعده ممن كتب في المقاصد فلم يعتبر هذه الجهة ، و إنما تذكر في أقسام المقاصد ، لكني سأبين وجهة نظر الإمام في هذا التقسيم حسبما ذكره في آخر كتاب المقاصد من كونه جهة تعرف بها مقاصد الشارع .



بدأ الإمام الشاطبي بذكر أمثلة لكل من هذه المقاصد :



فالمقصد الأصلي للزواج هو النسل ، و المقصد التبعي له هو السكينة ، التعاون على مصالح الدنيا و لآخرة ، تحصيل المتعة ، التحفظ من الوقوع في الحرام .



قال الإمام : " مثال ذلك النكاح ، فإنه مشروع للتناسل على القصد الأول ، و يليه : طلب السكن ، و الازدواج ، و التعاون على المصالح الدنوية و الأخروية من الاستمتاع بالحلال و النظر إلى ما خلق الله من المحاسن في النساء ، و التجمل بمال المرأة أو قيامها عليه و على أولاده منها أو من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد " .



و ذكر بأن هذه المقاصد التبعية تثبت غما بالنص ، أو بدلالة الإشارة ، أو طريق الاستقراء ، قال : " فجميع هذا مقصود للشارع من شرع النكاح ، فمنه منصوص عليه أو مشار إليه ، و منه ما علم بدليل آخر و مسلك استُقرئ من ذلك المنصوص " .



و أضاف إليها المقاصد التي لم يدل عليها الشارع و لم تكن مناقضة للمقاصد الأصلية ، و مثّل بمن تزوج طلبا لرفعة النسب . قال : " كل ما لم ينص عليه مما شأنه ذلك مقصود للشارع أيضا كما روي من فعل عمر بن الخطابفي نكاح أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب طلبا لشرف النسب ، و مواصلة أرفع البيوتات ، و ما أشبه ذلك ، فلا شك أن النكاح لمثل هذه المقاصد سائغ و أن قصد التسبب له حسن " (37) .



مثال آخر : المقصد الأصلي للعبادة : الإخلاص ، أو إفراد الله بالقصد،و المقصد التبعي : نيل الثواب في الآخرة ، قال :



" و هكذا العبادات ، فإن المقصد الأصلي فيها التوجه إلى الواحد المعبود ، و إفراده بالقصد إليه على كل حال ، و يتبع ذلك قصد التعبد لنيل الدرجات في الاخرة ، أو يكون من أولياء الله تعالى ، و ما أشبه ذلك " .



هذا إذا كان التوجه إلى القصد الأصلي أصالة ، أما إذا كان توجه المكلف إلى مقصد تبعي في مجال العبادات فإنه يصبح غير مشروع ، و من هنا فإن الشاطبي جعل مراتب المقاصد التبعية ثلاثة سيأتي ذكرها .



مثال آخر : المقصد من أصل مشروعية الصلاة : الخضوع لله ، و الإخلاص له ، ذكر الله ، و المقاصد التبعية : النهي عن الفحشاء و المنكر ،الاستراحة من أنكاد الدنيا ، طلب الرزق بها ، إنجاح الحاجات كصلاة الاستخارة و الحاجة ، و نيل الفوز بالجنة و الحنة من النار . قال الإمام : " فالصلاة مثلا أصل مشروعيتها الخضوع لله سبحانه بإخلاص التوجه إليه و الانتصاب على قدم الذلة ، و الصغار بين يديه ، و تذكير النفس بالذكر له ، قال تعالى : { و أقم الصلاة لذكري } [ العنكبوت : 45] ، و في الحديث " أن المصلي يناجي ربه "، ثم إن لها مقاصد تابعة ، كالنهي عن الفحشاء و المنكر ،



و الاستراحة إليها من أنكاد الدنيا و في الخبر : " أرحنا بها يا بلال " ، و في الصحيح :" جعلت قرة عيني في الصلاة "



و طلب الرزق بها ؛ قال تعالى : { و امر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسألك رزقا و نحن نرزقك } [ طه : 132 ] و في الحديث تفسير هذا المعنى ، و إنجاح الحاجات بها كصلاة الاستخارة و صلاة الحاجة ، و طلب الفوز بالجنة و النجاة من النار ، و هي الفائدة العامة الخالصة ، و كون المصلي في خفارة الله ، في الحديث : " من صلى الصبح لم يزل في ذمة الله " ، و نيل أشرف المنازل، قال تعالى : { و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } [ الإسراء : 79] ؛ فأعطى بقيام الليل المقام المحمود " (38) .



مثال آخر : المقصد الأصلي للصيام الخضوع و العبادة و الامتثال ، و المقاصد التابعة الدخول من باب الريان ، و الاستعانة على التحصن في العزبة ، و سد منافذ الشيطان ، قال الشاطبي : " و في الصيام سد مسالك الشيطان ، و الدخول من باب الريان ، و الاستعانة على التحصن في العزبة ، ففي الحديث : " من استطاع منكم الباءة فليتزوج " ثم قال " و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ، و قال : " الصوم جنة " ، وقال : " " و من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " .



ثم قال : " و كذلك سائر العبادات فيها فوائد أخروية ، و هي العامة ، و فوائد دنيوية و كلها تابعة للفائدة الأصلية و هي الانقياد و الخضوع للها كما تقدم ، و بعد هذا يتبع القصد الأصلي جميع ما ذكر من فوائدها " .



لكن الإمام الشاطبي لم يترك مشروعية المقاصد التبعية على إطلاقها ؛ بل جعل لها ضابطا :



ففي المقاصد التبعية الخاصة بالعادات ؛ فإنه يشترط أن لا تكون منافية لمقتضى المقصد الأصلي، و مثّل بنكاح التحليل ، فإنه مناف لدوام النكاح . قال : " إن نواقض هذه الأمور مضادة لمقاصد الشارع بإطلاق ، من حيث كان مآلها إلى ضد المواصلة و السكن و الموافقة ، كما إذا نكحها ليحلها لمن طلقها ثلاثا ، فإنه عند القائل بمنعه مضاد لقصد المواصلة التي جعلها الشارع مستدامة إلى انقطاع الحياة من غير شرط ، إذ كان المقصود منه المقاطعة بالطلاق ، و كذلك نكاح المتعة ، و كل نكاح على هذا السبيل " .



و في المقاصد التبعية في مجل العبادات ؛ يشترط أن لا تكون منافية للإخلاص أو مقصودة لذات المقاصد التبعية من حظوظ دنيوية و لا يكون قصد المكلف الأول هو ذات المقاصد الأصلية ، كمن عبد الله لأجل الرياء و السمعة الحسنة .



قال : " فمثل هذا المقصد مضاد لقصد الشارع إذا قصد العمل لأجله ، و إن كان مقتضاه حاصلا بالتبعية من غير قصد ".



و على هذا فإن مراتب المقاصد التبعية ثلاثة كما حصرها الإمام هي :



1- المرتبة الأولى : المقاصد التابعة المؤكدة و المقوية للمقاصد الأصلية ،وتسمى المقاصد التابعة المشروعة.قال الإمام : "إن المقاصد التابعة للمقاصد الأصلية ثلاثة أقسام : أحدها ما يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية ، و ربطها و الوثوق بها ، و حصول الرغبة فيها ، فلا شك أنه مقصود للشارع ، فالقصد إلى التسبب إليه بالسبب المشروع موافق لقصد الشارع فيصح " .



2- المرتبة الثانية : المقاصد التابعة المضادة للمقاصد الأصلية و المعارضة لها فهي مقاصد تبعية غير مشروعة لأنها تعود على الأصلية بالإبطال ؛ قال : " و الثاني ؛ ما يقتضي زوالها عينا ، فلا إشكال أيضا في أن القصد إليها مخالف لمقصد الشارع عينا ، فلا يصح التسبب إليه بإطلاق " .



3- المرتبة الثالثة : واقعة بين المرتبتين : مرتبة التكميل و التأكيد و مرتبة المعارضة و المضادة ، و هي مختلف فيها، فتلحق بإحدى المرتبتين بحسب قصد المكلف ن و مثّل له بإباحة العزل لمن قصد به قطع النسل ، قال : " و الثالث : ما لا يقتضي تأكيدا و لا ربطا ، و لكنه لا يقتضي رفع المقاصد الأصلية عينا ، فيصح في العادات دون العبادات ، أما عدم صحته في العبادات فظاهر ، و أما صحته في العادات فلجواز حصول الربط و الوثوق بعد التسبب و يحتمل الخلاف" .ثم قال : " قد يقال هو و إن صدق عليه أنه غير موافق ، يصدق عليه أيضا انه غير مخالف ، إذ لم يقصد انحتام رفع مات قصد الشارع وضعه ، و إنما قصد في التسبب أمرا يمكن أن يحصل معه مقصود الشارع ، و يؤكد ذلك أن الشارع أيضا مما يقصد رفع التسبب ، فلذلك شُرع في النكاح الطلاق ، و في البيع الإقاله ، و في القصاص العوف ، و أباح العزل ، و إن ظهر لبادئ الرأي أن هذه الأمور مضادة لقصد الشارع ، لما كان كل منها غير مخالف له عينا ، و مثله إذا قصد بالنكاح قضاء الوطر خاصة و لم يتعرض لقصد الشارع الأصلي من التناسل، فليس خلافا لقد الشارع كما تقدم، فكذلك غيره مما مضى تمثيله " (39).





المطلب الرابع : سكوت الشارع



الفرع الأول : تعريفه



لغة :



السَّكت و السكوت خلاف النطق (40).



و الشارع : من شرع الوارد يشرع شرْعا و شُروعا : تناول الماء بفيه ... و الشريعة و الشِّراع و المَشْرَعة : المواضع التي ينحدر إلى الماء منها ... قال الليث : و بها سمي ما شرع الله لعباده شريعة من الصوم و الصلاة و الحج و النكاح و غيره ، و منه قوله تعالى : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } .



و شرع الدين يشرعه شرعا : سنه ... و في التنزيل : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } [ الشورى :13] .



اصطلاحا :



يقصد بذلك : السكوت عن إعطاء الحكم مع قيام الموجب ، و يراد بذلك الوقوف عند حدود المصلحة أو المفسدة الظاهرة بالنص الشرعي دون أو ننقص منه أو نزيد عليها .



" و المسكوت عنه قد يكون واقعة قولا كانت أو فعلا وقعت أمام النبي صلى الله عليه وسلم فسكت عن الأذكار واقعة واقعت وقعت في غيبته ثم نقلت إليه أو سؤالا يحتاج إلى جواب يجب عنه ، أو تصرفا أنتشر العمل به منذ زمن التشريع و لم يصدر فيه حكم أمرا لم يظهر في زمن التشريع و سكت الشرع عن إعطاء حكم فيه " (41).



الفرع الثاني : بيانه كطريق لإثبات المقاصد



سكوت الشارع رابع الجهات التي تعرف بها المقاصد ، و قبل ذكر أنواع ، اذكر وجه اندراجه ضمن الأحكام :



" فالأحكام التي يراد معرفة قصد الشارع فيها لا تخلو من ثلاثة أحوال :



1- أن يثبتها الشارع بطريق من طرق إثباتها و مشروعيتها كطلبها بالأمر أو الترغيب ..



2- أن ينفيها الشارع و ذلك إما بالنهي عنها أو الوعيد عليها ..



3- أن يسكت الشارع عن الحكم فلا يتعرض له بالنفي أو الإثبات " (42) .



و جعل الشاطبي السكوت عن إعطاء الحكم قسمين :



الأول : سكوت الشارع عند عدم توفر الدواعي لإصدار الحكم . مثاله : جمع المصحف : لم يكن له داع في العهد النبوي لكن بع موت الصحابة القرّاء رضوان الله عليهم ، استدعى ذلك جمع المصحف مخافة فقدانه و تدوين السنة مخافة أن تضيع . قال الإمام الشاطبي : " و الجهة الرابعة مما يعرف به مقصد الشرع : السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المقتضي له ، و بيان ذلك أن سكوت الشرع عن الحكم على ضربين : أحدها ؛ أن يسكت عنه لأنه لا داعية تقتضيه ، و لا موجب يقدر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنها لم



تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها ، و إنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها و إجرائها على ما



تقرر في كلياتها ، و ما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم ، كجمع المصحف ، و تدوين العلم ، و تضمين الصناع ، و ما أشبه ذلك مما لم يجر في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم ، و لم تكن من نوازل زمانه و لا عرض للعمل بها موجب يقتضيها " .



الثاني : سكوت الشارع مع توفر الدواعي إصدار الحكم ، مثاله : سكوت الرسول صلى الله عليه و سلم عن الزكاة في الخضر و اليقول مع قيام المعنى لذلك باعتبار مشابهتهما لسائر المنتوجات الزراعية ، فهو مسلك يعلم به عدم الزكاة فيها مقصد شرعي ، و إجراء الزكاة فيها زيادة في الدين .



و قد قرر الإمام الشاطبي أن هذا المسلك كالنص على أن الشرع لا يزاد فيه و لا ينقص .



قال : " و الثاني : أن يسكت عنه و موجبه المقتضي له قائم ، فلم يُقرَّر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمن ، فهذا الضرب : السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع لا يزاد فيه و لا ينقص ، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ، ثم لم يشرع الحكم دلالةً عليه ، كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ، و مخالفة لما قصده الشارع ، إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حُدَّ هنالك ، لا الزيادة عليه و لا النقصان منه" (43).



و ساق الشاطبي لذلك مثالين :



1- رفض الإمام مالك لسجود الشكر لمن سأله عنه ، ذلك أن السجود لم يعلم من عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما كان من أمر أصحابه ، و رفض رواية أبي بكر رضي الله عنه أنه سجد يوم اليمامة شكرا لله .



و هذا ليس تقريرا منه منه على بدعية سجود الشكر لكن ، يبين طريقة الإمام مالك في بدعيتها . قال : " و المقصود من المسألة ترك توجيه مالك لها من حيث إنها بدعة ، لا توجيه إنها بدعة على الإطلاق " .



2- المثال الذي سبق ذكره ، و هو سكوت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الزكاة في الخضر و البقول مع قيان المعنى الداعي لذلك .



و هذا المسلك يتعلق بالعبادات و فيه سد باب البدع ، فيُلتَزَم بالعبادات دون زيادة على ما شرحه الله (44).



و الحاصل أن السكوت عن إعطاء الحكم مع قيام المقتضي له نص صريح في أن الزائدة على ما كان بدعة .



و هذا أصل عظيم يفرق به بين البدع و المصالح المرسلة و غيرها مما قد يلتبس على بعض الناس ، فنرى بعضهم يجعل البدعة من قيبل المصالح المرسلة،و آخر يجعل المصالح المرسلة من قبيل البدعة ،و كلا الفريقان قد ضل سواء السبيل (45).



المطلب الخامس : فهم المقاصد وفق مقتضيات اللسان العربي



الفرع الأول : تعريف



اللسان في اللغة : جارحة الكلام... يقال : فلان يتكلم بلسان قومه، و قوله عز وجل : { و هذا كتاب مصدق لسانا عربيا }



أي مصدق التوراة...ذا لسان عربي (46) .



ويقصد باللسان العربي هنا " العلم باللغة العربية وهو أمر ضروري لإمكانية فهم الكلام فهما سليما ،ولمعرفة مقاصد نصوص الوحي ومراده .



" فاللغة إنما هي أداة تواصل و تعبير عما يتصوره الانسان و يشعر به،فهي وعاء للمضامين المنقولة،سواء أكان مصدرها الوحي أم الحس أم العقل،كما أنها أداة لتمحيص المعرفة الصحيحة،و ضبط التخاطب السليم،فهي من لوازم المنهج العلمي 47)



الفرع الثاني : بيانه كطريق إثبات المقاصد



لم يذكر الإمام الشاطبي هذا المسلك كطريق مستقل و إنما جاء منثورا في كتابه و قد قرره صاحب نظرية المقاصد كأول طريق له ، لأنه تناوله في النوع الثاني و هو بيان قصد الشارع و ضع الشريعة للإفهام .



فافتح المسألة الأولى بقوله : " إن هذه الشريعة المباركة عربية ، لا مدخل فيها للأسن الأعجمية .." ثم قال : " البحث المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة لأن الله تعلى يقول: { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } [ يوسف:02] .. إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي و بلسان العرب ...فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يُفهم " (48) .



فالوقوف على سر التشريع يتطلب فهما سليما للنصوص بالتمكن من اللغة العربية التي أنزل بها القرآن لأنها تخاطب بالعام و الخاص على أساليب مختلفة .قال عن القرآن : " إنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة ، و أساليب معانيها ، و أنها فيما فُطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام و يراد به ظاهره ، و الظاهر يراد به غير الظاهر ، و كل ذلك يعرف من أول الكلام و أوسطه أو آخره ، و تتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره ، أو آخره عن أوله ، و تتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة ، و تسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة ، و الأشياء الكثيرة باسم واحد ، و كل هذا معروف عندها و لا ترتاب في شيء منه هي ، و لا من تعلق بعلم كلامها " (49) .



فاللغة العربية تمتاز بتنوع الأساليب ، فبعد سياقه مثالا في ابتداء الإخبار ( قام زيد ) أخبر أنه يتنوع : " بحسب تعظيمه أو تحقيره .. و بحسب الكناية عنه و التصريح به ، و بحسب ما يقصده في مساق الإخبار ، و ما يعطيه مقتضى الحال ، إلى غير ذلك " . ثم قال : " فمثل هذه التصرفات التي يختلف معنى الكلام الواحد بحسبها ليست هي المقصود الأصلي و لكنها من مكملاته و متمماته " (50) .



و هو يدعو إلى التمكن من اللغة العربية من أجل فهم مقاصد النصوص قال : " لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين و هو العرب الذين نزل القرآن بلسانهم " . و يرى أن المقاصد لا تعرف إلا بفهم اللغة العربية فكما قال : " اللسان هو المترجم عن مقاصد الشارع " .



المطلب السادس : الاستقراء



الفرع الأول : تعريفه



لغة : التتبع ، قال في المصباح المنير : " استقرأت الأشياء ؛ تتبعت أفرادها لمعرفة أحوالها و خواصها ... " .



اصطلاحا : " تصفح الجزئيات لإثبات حكم كلي " .



أنواع الاستقراء :



1- استقراء تام: و هو تتبع أكثر الجزئيات ما عدا صورة النزاع ، و هذا دليل قطعي عند أكثر العلماء على إثبات الحكم في صورة النزاع .



2- استقراء ناقص : و هو تتبع أكثر الجزئيات ، و يسمى عند الفقهاء بـ " إلحاق الفرد بالأغلب " و هذا دليل ظني (51).



الفرع الثاني : بيانه كطريق لإثبات المقاصد



بالرغم من أن الشاطبي لم يذكر هذا المسلك مع الجهات الأربع التي تعرف بها مقاصد الشارع ،" إلا أنه لازمه ذكر الاستقراء استشهادا به ، أو إحالة عليه، أو تنويها بقيمته و أهميته، و يمكن الجزم بأن الاستقراء عند الشاطبي هو أهم و أقوى طريق لإثبات مقاصد الشريعة " (51).



و قبل ذكر ما أثبته الشاطبي من مقاصد بواسطة الاستقراء يجب تبيان بعض المصطلحات و شروط التعميم الاستقرائي .



* الاستقراء المعنوي : بعرفه بأنه " الذي لا يثبت بدليل خاص ، بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض ...فهو ليس استقراء لأوصاف .. و لا هو استقراء لذات الأدلة جزئية كانت أم كلية ، و إنما هو استقراء لمقتضيات أدلةٍ وردت بأشكال و صيغ مختلفة ، لأغراض شتى ، و في أبواب متفرقة ، لكنها تشترك في معنى من المعاني ، يكمل كل منها الآخر ..و يسند كل منهما ما سبقه من أدلة إلى أن يصل الناظر فيها إلى اليقين و القطع ، يكون المعنى الذي اشتركت فيه هذه الأدلة مقصدا من مقاصد الشارع (52).



العلاقة بين الاستقراء المعنوي و التواتر :



يراه الإمام نوعا من أنواع التواتر ، و أن المسوّغ الذي يجعل الاستقراء يفيد القطع هو المسوغ ذاته الذي أوجب القطع في نتيجة التواتر . و في هذا يقول : " و إنما الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد حتى أفادت فيه القطع ، فإن للاجتماع من القوة ما ليس للافتراق ، و لأجله أفاد التواتر القطع ، و هذا نوع منه ، فإذا حصل من استقراء أدلة المسألة مجموع يفيد العلم فهو الدليل المطلوب و هذا شبيه بالتواتر المعنوي " (53).



شروط التعميم الاستقرائي :



1- التكرار : بأن تكون نتيجة الاستقراء قد تكرر تقريرها في النصوص الشرعية كما هو الحال في التيسير و رفع الحرج و منع الضرر و الضرار .



2- التأكيد : بأن تكون نتيجة الاستقراء قد تم تأكيد مضمونها في مواضع كثيرة .



3- الانتشار : بأن ينتشر هذا المعنى في أبواب الشريعة ، دون اقتصار على باب واحد من أبوابها ، أما إذا كانت الجزئيات المستقرأة في قضية واحدة ، أو في باب واحد فإنه لا ينتظم منها استقراء قطعي بل تكون نتيجة استقرائها ظنية (54) .



و قد ربط الإمام الشاطبي بين الاستقراء و الكشف عن المقاصد في بداية كتابه ، قال في خطبته : " و لما بدا من مكنون السر ما بدا ، و وفق الله الكريم لما شاء و هدى ، لم أزل أقيد من أوابده ، و أضم من شوارده ، تفاصيل و جملا، و أسوق من شواهده ، في مصادر الحكم و موارده ، مبينا لا مجملا ، معتمدا على الاستقراءات الكلية ، غير مقتصر على الأفراد الجزئية ، و مبينا أصولها النقلية ، بأطراف من القضايا العقلية ، حسبما أعطته الاستطاعة و المنة ، في بيان مقاصد الكتاب و السنة " (55) .



و أهم مسألة طبّق فيها الاستقراء:كون الشارع راعى حفظ الضروريات و حصر المصالح الشرعية في ثلاث مراتب : ( الضروريات ، الحاجيات ، التحسينيات ) قال : " إن هذه القواعد الثلاث لا يرتاب في ثبوتها شرعا أحد ممن ينتمي إلى الاجتهاد من أهل الشرع و أن اعتبارها مقصود شرعا ، و دليل ذلك : استقراء الشريعة و النظر في أدلتها الكلية و الجزئية ، و ما انطوت عليه من هذه الأمور الهامة على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص ، بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض ، مختلفة الأغراض ... ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة على حد ما ثبت عند العامة جود حاتم و شجاعة علي رضي الله عنه ، و ما أشبه ذلك " (56).



حاصل القول :



بعد عرض البحث - الذي لا أظن أن جوانبه قد اكتملت - ، استخلصت أهم النتائج المستفادة و التي منها :



1- تثبت المقاصد الأصلية بمجرد الأمر أو النهي الابتدائي التصريحي ، و ما كان ضمنيا فهو يثبت مقاصد تبعية مكملة للأصلية .



2- ما ثبت بلوازم الأوامر و النواهي من قبيل المقاصد التبعية ، لأنها ضمنية ، و الضمني أدنى مرتبة من الصريح .



3- إذا كانت العلة هي الحكمة المقصودة من تشريع الحكم ؛ فإن مسالك العلة طرق للكشف عن المقاصد .



4- إذا كانت العلة مجرد وصف ظاهر منضبط أو مظنة للحكمة تختلف طريقة الاستدلال بمسالك العلة ، و مقتضى العلل هي المقاصد .



5- لا تعتبر المقاصد الأصلية و التبعية من الجهات التي تعرف بها مقاصد الشارع ، و إنما هي تقسيم للمقاصد ( بحسب القصد الأول أو الثاني ) .



6- قسم الأوامر و النواهي مستمد من المقاصد الأصلية و التبعية ، و ثبت ذلك بالاستقراء الذي قرره الشاطبي .



7- سكوت الشارع عن الحكم مع قيام المقتضي له فيه مقصد عدم الزيادة أو النقصان في الدين ، و فيه عظيم فائدة من سد باب البدع .



8- التمكن من اللغة العربية شرط ضروري لفهم مقاصد الشارع فهما سليما .



9- ثبوت الضروريات و الحاجيات و التحسينيات قطعي ، و ذلك باستقراء النصوص ، فحتى لو كان النص ظنيا كأن يكون آحادا : فإن معناه يرقى لدرجة القطعي بواسطة استناد نص آخر يعضده أو يعضد معناه ، و لا يتم هذا إلا باستقراء الأدلة و إسناد بعضها إلى البعض .



هذا ما استخلصته مما بحثت فيه ، و اللهَ أسأل أن يوفقني لما يحب و يرضى ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .







الهوامش :



(1) لسان العرب لابن منظور (4/26-27)



(2) المصدر السابق (15/343)



(3) المصدر السابق (1/27)



(4) المصدر السابق (2/509-511)



(6) أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي(1/218)هذا رأي الحنفية و الحنابلة فهو يكون من الأعلى إلى الأدنى،بأن يقول القائل لمن دونه استعلاء : افعل،و هو حقيقة في القول الطالب للفعل ، فإذا صدر من الأدنى إلى الأعلى على سبيل التضرع و الشفاعة لا يسمى أمرا و إنما يقال له دعاء و التماس . و قال ابن السبكي الشافعي في جمع الجوامع: لا يعتبر في مسمى الأمر علو و لا استعلاء ، و كذلك قالت المالكية : لا يشترط في الأمر علو الآمر خلافا للمعتزلة .



(7) المصدر السابق (1/233) .



(8) طرق الكشف عن المقاصد لنعمان جغيم ص67-68 ،و الخلاف المشهور في قاعدة هل الأمر بالشيء نهي عن ضده ، فجمهور الأصوليين على ذلك ، و نفى ذلك الغزالي ، و ذكر الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه أصول الفقه تفصيلا عند صدر الشريعة الحنفي و ضابط الفاسد يكون بحسب تفويت المقاصد " إن كان مفوتا للمقصود يكون حراما و إلا يكون مكروها " . راجع أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (1/228) .



(9) الموافقات (2/538)



(10) الموافقات (3/105)



(11) طرق الكشف عن المقاصد لنعمان جغيم ص69



(12) أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (1/228)



(13) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي لأحمد الريسوني ص 237



(15) الموافقات (2/538-539)



(16) الموافقات (3/104-105)



(17) لسان العرب(11/471)



(18) أصول الفقه الإسلامي (1/646-649)



(19) طرق الكشف عن المقاصد ص165



(20) أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (1/661-693) باختصار .



(21)طرق الكشف عن المقاصد لنعمان جغيم ص 153



(22) مجلة الموافقات ، مقال للدكتور عز الدين بن زغيبة : طرق إثبات المقاصد ص178



(23) (23) الموافقات للشاطبي (2/539)



يمكن أن تتخذ الطرق التي تعرف بها العلة ( مسالك العلة ) مسالك للتعرف على المقاصد الشرعية ، و لكن عند النظر في تلك المسالك يتبين أنها لا تصلح جميعها لأن تكون مسالك للكشف عن مقاصد الشريعة ، و البعض منها يصلح أن يكون كاشفا عن المقاصد الشرعية لكن بطريقة في الاستدلال تختلف عن تلك المسلوكة في الكشف عن العلة ن و مرد ذلك إلى ما بين العلل و المقاصد من أوجه التشابه و الاختلاف ، فحيث تتشابه العلة مع المقصد ، أي حينما تكون العلة هي نفسها الحكمة المقصودة من تشريع الحكم تستوي المسالك ، و حيث تكون العلة مجرد وصف ظاهر منضبط لحكمة أو مظنة لها فإن المسالك تختلف أو على الأقل تختلف طريقة الاستدلال ببعض المسالك . طرق إثبات المقاصد لنعمان جغيم ص 153 ، و قال في موضع آخر : المقاصد قد تكون هي العلل ذاتها ، و ذلك كون العلة مرادفا للحكمة ، و قد تكون غيرها عند كون العلة مجرد وصف ظاهر منضبط نُصب مكان الحكمة ، لكونه عادة لها و مظنة تحقيقها .



(24) الموافقات (2/539)



(25) مجلة الموافقات ص 187



(26) الموافقات (2/539)



(27) مجلة الموافقات ص 178



(28) لسان العرب (3/303-354)



(29) لسان العرب (4/26-34)



(30) لسان العرب (8/27-29)



(31) مقاصد الشريعة و علاقتها بالأدلة الشرعية لليوبي ص37



(32)علم المقاصد الشرعية للخادمي ص157



(33) الموافقات (2/384)



(34) المقاصد لليوبي ص356



(35) مقاصد الشريعة للخادمي ص155



(36) الموافقات (2/385)



(37) الموافقات (2/541)



(38) الموافقات (2/543)



(39) الموافقات (2/548-549)



(40) لسان العرب (2/43)



(41) طرق الكشف عن المقاصد لنعمان جغيم ص87



(42) مقاصد الشريعة لليوبي ص173



(43) الموافقات (2/549-550)



(44) نظرية المقاصد لأحمد الريسوني ص 231



(45) مقاصد الشريعة لليوبي ص174



البدعة : ما كان المقتضى لها موجودا في زمانه صلى الله عليه و سلم و لم يشرع لها حكما زائدا ، فيعلم أن السكوت يدل على أن قصده الوقوف عند هذا الحد .



(46) لسان العرب (13/385-387)



(47) أهمية المقاصد في الشريعة الإسلامية لسميح عبد الوهاب الجندي ص92



(48) (49) (50)الموافقات (2/304) ، (2/306) ، (2/307) . و هذا بالاستعانة بنظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي لأحمد الريسوني .



(51) مقاصد الشريعة لليوبي ص125



* الاستقراء حجة عند الشافعية و المالكية و الحنابلة ، و لم يعترف الحنفية بالاستقراء بصفة دليل مستقل في إثبات الأحكام ذهابا منهم إلى أنه راجع إلى القياس إذا دل على وصف معتبر جامع لجميع الجزئيات أو أنه راجع إلى العرف و العادة .أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي (2/916-917) .



(52) طرق الكشف عن المقاصد لنعمان جغيم ص264 .



(53) الموافقات (1/26)



(54) طرق الكشف عن المقاصد لنعمان جغيم ص 125



(55) الموافقات (1/17-18)



(56) مقاصد الشريعة لليوبي ص125

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليق

اليوم يصادف

المتابعون

تم تصميم القالب بواسطة : قوالب بلوجر عربية