جميع الحقوق محفوظة لصاحبة المدونة ، ويمنع النقل أو الاقتباس بأي شكل من الأشكال إلا بالإشارة للمصدر. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أحدث التعليقات

ThemeLib

احصائيات المدونة

شيخوخة الثقافة

قبل أن يرسل الفجر خيوطه الأولى مؤذناً بانتهاء ظلمة الليل، كانت زهرات العمر الثمينة قد شرعت في خطواتها نحو ذبول سريع ومتلاحق.


بدأ «ندوان» يعد الشعرات البيض التي تتكاثر في مفرق رأسه، تردد قليلاً في كتم حزنه وحسرته.

وليس أشد منظراً من رؤية هذا الشباب الغض يتلاشى رويداً رويداً بين يديه، كم هو ثقيل هذا الوافد الجديد، صعب الأمر عليه، لم يكن حتى باستطاعته رد التحية عليه.

في إحدى زوايا المكتبة كانت مقصوصة ورقية صفراء كتب عليها بحبر أزرق:

ولما رأيت الشيبَ حل بياضه

بمفرق رأسي، قلت أهلاً ومرحبا

ولو خلت أني إن تركت تحيتي

تنكب عني رُمتُ أن يتنكبا

ولكن إذا ما حل كرهٌٌ، فسامحت

به النفس يوماً، كان للكره أذهبا

صعبة هي التحية، عندما نكون مضطرين إليها.

تردد «ندوان» كثيراً في الرد، جرت الأحداث متلاحقة أمام عينيه، ليجد نفسه في آخر المشهد وسط صحراء قاحلة إلا من نعيب البوم وصرير الرياح.

ربما كان العم زياد على حق في حفل التكريم الذي أقيم له بمناسبة حصوله على جائزة أفضل رواية إبداعية.

«... صور كثيرة وإشارات عديدة نجدها في كل ما يحيط بنا، منها ما يبعث السرور وينبت الفرح، ومنها ما تسمع عند وقوعه آيات التهكم والاعتراض، كلها في النهاية طرق تؤدي إلى طريق واحد يذهب بنا في رحلة عجيبة لاستكشاف أسرار النفس وخفايا الوجود. مثله تماماً تلك الرحلة الأرضية حول الشمس، والتي عرفنا من تقلبات فصولها، حلاوة الربيع، وبؤس الخريف، وقسوة الشتاء، ونشاط الصيف..

لم نكن لنعرف تلك الطبائع الكونية لولا هذا التقلب والاختلاف... ».

أسرع « ندوان» بارتداء ملابسه، إذ إن موعد العمل بعد نصف ساعة.

بدأ «ندوان» العمل كما هي العادة في كل يوم بترفيف الكتب، فمع مضي الأيام أصبح يعرف مكان كل كتاب دون الحاجة للرجوع إلى رقم التصنيف..

ثم لا يلبث بعد أن ينتهي من عمله هذا حتى يجلس خلف مكتبه ليقرأ ما تأتي به الصحف من أخبار مع رشفات من فنجان قهوته الصباحية، ولا يقطع عليه تلك اللحظات سوى بعض الباحثين الذين يترددون على المكتبة من وقت لآخر.

فيما لم يكن الباحثون في أغلب الأحيان غير طلبة المدارس الثانوية، كانت مطالب هؤلاء الطلبة معروفة، فمرة يبحثون عن تراجم لبعض الشعراء والأدباء، وأخرى يلخصون أهم الأحداث التاريخية في حقبة من الحقب.

ذات يوم وبينما كان يقلب صفحات « مجلة العربي » وكان يجلس إلى جانبه صديقه زهير، قال ندوان لزهير وهو يشير إلى أحد الباحثين:

«لو كان الغواصون في بحثهم عن اللؤلؤ مثل باحثينا لما ظفروا إلا بأكوام كبيرة من خيبة الأمل».

أظن أن المشكلة تكمن في المقروء وليس في القارئ، فلو كانت هناك كتب تستحق القراءة لما شاهدت هذا العزوف الكئيب.

قال زهير وقد علت وجهه علامات الحدة: « أتعنى أن أكوام تلك الكتب لا تستحق القراءة، بالله عليك يارجل، أين ذهب المعري والمتنبي والعقاد وطه حسين والمازني ونجيب محفوظ والمصراتي؟ ولو شئت لعددت لك صفحات طوال ممن لا تزال كتبهم تنبض بحياة زاخرة».

خلايا جديدة

قال ندوان: «أتعرف ما هي المشكلة؟ عندما أنظر إلى المظاهر الكونية المختلفة، فأجد أن ملايين الخلايا في جسم الإنسان تموت يومياً، لينمو بدلاً منها خلايا أخرى قادرة على تكملة الدور الذي بدأت به تلك الخلايا الميتة، وأقلب طرفي تارة أخرى، فأبصر الفاكهة لا تزهو إلا وقت حصادها وهي في غير موسمها جافة غير مستساغة!!

أريد أن أصل في النهاية إلى أن الحاجة إلى الثقافة والأدب متجددة تجدد العصور والأزمنة، المازني والعقاد والرافعي وغيرهم كان ظهورهم في عصرهم تلبية لحاجات ذاك العصر من جوانبه الأدبية والثقافية والفكرية، ومن ثم فإن حاجة هذا العصر تتطلب أن يكون فيه أمثالهم ولكن بنسخ جديدة عصرية.

قال زهير: أليس في قراءتنا لكتبهم دليلاً على أنها لا تزال تلامس موضع الحاجة فينا، فلا يزال تأثيرهم الثقافي والأدبي حاضراً؟

قال ندوان: لا شك أن التراث الأدبي لكل أمة يؤدي دوره في اتجاهين يكمل أحدهما الآخر.

الأول هو الدور الاجتماعي الذي يلعبه الأديب والمثقف بطريقة غير مباشرة، فاحتكاكه المستمر بالأوساط المجتمعية التي تحيط به، والأثر الذي يتكون في أفراد ذلك المجتمع جراء تلك المعايشة له دوره الفعال، والذي لا يقل أهمية عن التراث الأدبي والفكري الذي يخلفه، فوجود المثقف والأديب في المجتمع يعد وحده دافعاً لكثير من أفراد ذاك المجتمع للوصول إلى تلك المناهل الأدبية بطريقة أو بأخرى.

فحاجة المجتمع إلى المثقف ليست متوقفة على إنتاجه الفكري والثقافي فقط، بل إن معايشته هي التي تغذي المجتمع بالحس الثقافي الفعال. وإلا فإن المجتمع يعيش شيخوخةً ثقافيةً لن يجدي خضابها بمئات الكتب والمقالات ما دامت تلبس بردة غير بردتها، ولن تذهب بعواقبها ألف تحية كتحية شاعرنا.







:



:



هل تشعرون حقيقة أن سبب عزوف عن القراءة والمطالعة؟!



هي الاسباب المذكورة أعلاهـ.



وهل في مجتمعنا أولئك المثقفون الذين يعايشون المجتمع ويلهبونه بالحس الثقافي الفعال؟!



:



أسئلة تستحق النظر والتأمل..


0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليق

اليوم يصادف

المتابعون

تم تصميم القالب بواسطة : قوالب بلوجر عربية