جميع الحقوق محفوظة لصاحبة المدونة ، ويمنع النقل أو الاقتباس بأي شكل من الأشكال إلا بالإشارة للمصدر. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أحدث التعليقات

ThemeLib

احصائيات المدونة

الكتاب ليس (تأريخاً) على طريقة المؤرخين، وليس (رواية) على طريقة المحدّثين ، وليس (تحليلاً) على طريقة المفكرين، وليس (رصداً) على طريقة الصحافيين، وليس (بحثاً) على طريقة الأكاديميين، بل هو خليط من كل هذا وأكثر، حيث تجد صعوبة كبيرة في تصنيف الكتاب، ولا تملك حيلة سوى أن تقرأه كما كُتب.

سأطرح في هذه التدوينة بعض الرؤى النقدية عن هذا الكتاب، سواء كانت إشادة أو استدراك أو إشارة . وقد صرح الكاتب في بداية الكتاب بأن هذا الكتاب مجرد مقدمة لمشاريع أخرى، بما يجعله واجباً على كل معجب بهذه التجربة أن يساهم في إنجاحها قدر ما يستطيع، وأن يطرح رؤاه النقدية التي تثري المؤلف والقارئ معاً. وسأبدأ بطرح بعض الملاحظات العامة على الكتاب، قبل الخوض في فصوله .
-قبل كل شيء، بهرني جمال التجربة ذاتها (بغض النظر عن جودتها) فمجرد وجود تاريخ مكتوب لهذا البلد ولماضيه من عين ناقدة وفاحصة هدية لا تقدر بثمن. كثير من الأحداث الجديدة حولنا تمتد سياقاتها من الماضي حيث لم ندركها، ولن يكون بوسعنا فهم هذه الأحداث إلا بالتوغل في جذورها، أو بعبارة أخرى بفهم تاريخ هذا المجتمع، وهذا ما يحاول الكتاب تقديمه. فهذه إشادة، وأمنيتي أن تتهاطل الكتب من هذا النوع.
- الكتاب، أشبه بجزر معزولة، أو لنقل سلاسل طويلة جداً من المقالات، حيث يغلب عليها السرد والمعالجة العاجلة التي لا تدخل في العمق (إلا في مواضع قليلة من الكتاب). وهذا حقيقة ما أضعف من مستوى الكتاب، فمثلاً تلاحظ تكرار فكرة معينة لمرات كثيرة جداً وفي سياقات أحياناً تبدو متشابهة وفي كل مرة كأن الفكرة تُقال لأول مرة. وهذا يبيّن لي -كما أرى- أن الكتاب كُتب على فترات متباعدة ولم يكتب (دفعة) واحدة.
- استخدام مصادر المعلومات في الكتاب قد لا يبدو موفقاً، وأنا أقرّ بداية بصعوبة ذلك أساساً كونه لا توجد مصادر كثيرة وثريّة، لكن فوق ذلك فإن استخدام الكتاب للمصادر ظل مرهوناً برغبة (مزاج) المؤلف وليس بما تتطلبه طبيعة الموضوع من بحث وتحرٍّ. فمع بعض المواضع، نجد أن نسبة الرأي والتحليل الشخصي تزداد بشكل كبير على حساب دقة المعلومات (لغياب المصادر) وبالمقابل نجد في بعض المواضع أن نسبة الرأي الشخصي تقل مع وجود كم كبير من المصادر (والتفاصيل) .. كم كبير لدرجة تشعرك أن الأمر تحول إلى “ترف” كتابيّ. وهذا الأمر (ضعف توازن استخدام المصادر) قد أثر على مستوى التحليل في بعض المواضع.
ما يتعلق بالمصادر أيضاً، أشار المؤلف إلى أنه لن يستخدم الأرقام ولا الإحصاءات ولا البيانات الفنيّة، لأنه يعتقد أنها موجودة وأن القارئ يمكن أن يرجع لها، وهذا الأمر يكاد يكون من أبرز نقاط ضعف الكتاب وإن أقرّ المؤلف بأهميتها. فالأرقام في النهاية تظل المادة الصلبة الوحيدة التي ندركها عن الواقع ونستطيع أن نتعامل معها على وجه كبير من الدقة، ولا يمكن لكتاب يرصد مرحلة ثلث قرن بما فيها من تنمية وتحوّلات من غير أن يسرد دراسات ولا إحصاءات ولا أرقام عن المجتمع ، وإنما كل مافي الأمر آراء شخصية. قد يُبرز هذا جانب من الحضور المُلِح للتحليل الشخصي في عقلية المؤلف، وهذا بالطبع قد يضعف مهارات قراءة الأرقام خصوصاً إن كانت ذات دلالات أخرى. فالمؤلف كان يمكن أن يجعل من كتابه أفضل بإحضار الأرقام والاستعانة بها والانطلاق منها خصوصاً ذات العلاقة بالاقتصاد والمجتمع، بالإضافة إلى بعض الصور التي قد تحمل ألف كلمة.
- ضعف هيكلية الكتاب وتنظيم أفكاره، فكما أشرت في الفقرة الأولى بأن الكتاب يبدو كجزر معزولة، فهذا كان بسبب السرد وطبيعة الكتاب الصحافيّة في أغلب محتوياته. فمثلاً، قرأت الكتاب وانتهيته ولم أدر ماهي الفكرة المركزية التي يدور عليها الكتاب. الكتاب قدم عدداً من المعالجات الرائعة جداً، لكنها في نهاية الأمر تأتي في سياقات متفرقة ومتشتتة. يعني قد تفرض طبيعة العمل التأريخية/الرصديّة مثل هذا اللون من التنظيم والذي لا يوجد إلا في كتب المفكرين الكبار، لكن الكتاب يظل قدم جزء كبير من المعالجات الفكرية بما يجعل مسؤولية تنظيم الأفكار بشكل منطقي ومتسلسل على عاتق المؤلف.
- الأخطاء الإملائية والنحوية! .. وما أدراك ما الأخطاء . كان بودّي أن يؤجل طرح الكتاب لمدة عام واحد فقط لتعديل الاخطاء الإملائية والنحوية هذه. في الحقيقة أنها كثيرة جداً بشكل مزعج ومقزز ومشوه لتجربة جميلة! فبالإضافة إلى وجود فقرات كثيرة تبدأ بمبتدأ، ولا تكاد تعثر على خبر لهذا المبتدأ، كانت هناك أخطاء إملائية بحتة تجعل من الصعب أحياناً فهم الكلمة إلا بعد محاولات. بالإضافة إلى أن بعض الاقتباسات لا توجد لها أقواس النهاية، لتُفاجأ بعد فقرتين أو ثلاث من بداية الاقتباس أنك ما زلت تقرأ نفس الاقتباس! هذه كانت فعلاً مخيبة وكان يمكن تجنبها لولا العجلة.
- الفكرة العامة الأخيرة التي أحب أن أختم بها هي (وحش التفاصيل) الذي استبدّ بالمؤلف. أشعر أنه من الصعب أن أتحدث عن خطأ كهذا، فهو يبدو من نظرة أخرى جزء من منهجية الكتاب التي تقوم على رصد تلك المرحلة بتفصيلاتها. أنا لا أتحدث عن وجود التفاصيل، بقدر ما أتحدث عن طريقة تنظيمها، حيث تقرأ مثلاً في سياق فكرة معينة فيدخلك المؤلف في تفاصيل كثيرة ومتشعبة تجعلك تفقد المسار الأساسي. الكثير من التفاصيل كان يمكن استخدامها كملاحق في آخر الكتاب، فبالإضافة إلى الحفاظ على تركيز القارئ وعدم تشتيته بالتفاصيل، يظل هناك فرصة للرجوع لبعض التفاصيل على حدة من غير الحاجة للبحث في ثنايا الكتاب نفسه.
بكل صراحة، بعد هذه الملاحظات أشعر بأني ظلمت الكتاب نوعاً ما فطبيعة الكتاب كانت مختلطة بين الفكر والرصد والتأريخ والتحليل، وقد حاكمته بملاحظات في الأعلى قد لا تتحملها طبيعة بعض هذه التخصصات، فمثلاً مستوى العمق في التحليل قد لا تتحمله مهمة الرصد والتأريخ العابر. لكن على الرغم من ذلك أعتقد أن هناك الكثير من المواضع والأخطاء التي يمكن أن تُجتنب في مشاريع المؤلف القادمة.
الكاتب المثقف: فهد الحازمي .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليق

اليوم يصادف

المتابعون

تم تصميم القالب بواسطة : قوالب بلوجر عربية